-A +A
علي الحازمي
أَنا معي

لا شيءَ ينقُصُنِي -أَقولُ لوَحدَتي-


لحبيبةٍ رحلتْ ولم تُصغِي مَليَّاً

للصدى المكسورِ في وَترِي الأَخير،

ليمامةٍ طارتْ بعيداً خَلفَ رَغبتِها

ولم تُبْقِي على شَالِ المحبةِ سَابحاً

في أُفقِ مَعناهُ القريب،

لغزالةٍ قَفَزتْ على وَردِ السياجِ

ولم تُرَاعِي للمودةِ غُصّةً نبتتْ سَريعاً

في كُفوفِ النبعِ بعد رحيلِها

أَنا معي

قَبسٌ شَحيحٌ للبدايةِ كانَ يكفيني

لأُبصِرَ مِن عُلوِّ تَساؤُلي

دَرباً أكيداً في الضَباب،

لا الحظُّ يمنحني جواباً في التفاتَتِهِ

ولا شَغفِي الطويلُ إلى الحقيقةِ قادرٌ

أَنْ يَرْشُقَ المعنى البعيدَ بوردةٍ بيضاءَ

في كُلِّ الفصول

أَنا معي

أَخْطُو إلى حُلْمي الشريدِ

تقودُني عينُ الفراغِ إلى مجاهِلِ رغبتي

مُتَشبِثاً بجناحِ أُغنيةٍ من الماضي صعدتُ

إلى التماعٍ في مجراتِ الحنينِ يُضِيئُنِي

لأَظَلَّ مَشدوداً إلى قَدري مع الناياتِ

في شَالِ الغياب

أَنا معي

أَنا اعتدادُ التيهِ في البيداءِ

أُشرِعُ في المدَى المفتوحِ أَذرُعَ مُهجتِي

لعناقِ من أَهوى،

تَبدَّدَ في الصدى ظِلِّي النحيلُ على مَواجِعِهِ

ولم يهتزَّ عَرشٌ للغوايةِ في دَمِي

لا الريحُ تُربِكُ خُطوتي الأُولى ولا اللاءاتُ

تُغلِقُ بابَها العالي بوجهِ هواجِسِي

أَنا معي

لا شيءَ يغمُرني لأَشعرَ في غِيابِهِ

بالفراغِ العاطفيِّ وجمرِهِ

لا شيءَ من ماضِيهِ يسكُنُنِي لأَعرفَ دونَهُ

أَنَّ الحياةَ كما الهتافِ تَبدَّدَتْ

وأَنَّ حُلْمي لم يَعُدْ يكفِي لأَصنعَ

من حَدَائقِهِ ربيعاً في السراب

أَنا معي

شَجرٌ مجازيٌّ من النجوى

يُهدهِدُ في القصيدةِ رغبتي

لأُصالحَ الأَمسَ البعيدَ وناسَهُ،

هم غَادروني حين أَقْصَتنِي الحكايةُ

في غياهبِ صمتِها،

مَرُّوا على ليلي ولم يُلْقُوا على تعبي السلام،

ساقوا خِرَافَ الغيمِ من حُلْمي

إلى الصحراءِ في شَفقِ اليباب،

لكنهم لم يُدركوا نَفْيِي بعيداً

خارجَ المعنى وخارجَ حِنْطَتي،

حينَ التفتُ إلى صباحٍ للحقيقةِ دونهم

أبصرتُ شَمساً للبدايةِ

سوفَ تُزهِرُ مِن تسابيحِ الغياب

أَنا معي

وهذه الذِكرى بكُلِّ تُرابِهَا ونَخِيلِها

وهوائِها وسمائِها الأُولى معي،

معي شموسُ طفولتي، ظِلالُ سِدرتِنَا العتيقة،

طريقُ منزلِنا القديمِ وطيفُ مَنْ مَرُّوا

على أَهدابِهِ،

معي صِبَايَ وخوفُ أُمي

حِينَ أَخطو للبعيدِ مُودِّعاً،

فتاةُ أحلامي التي وَشَمتْ فُؤادَ الظبيِ

بالحناءِ في وَهَجِ النهارِ معي،

معي بكُلِّ حضورِها وعطورِها

وفجورِها وغرورِها العالي معي،

معي الذين تَصدَّعَتْ آمالُهُم بالأَمسِ

مَنْ سَاروا طويلاً

نَحوَ سِدرةِ فَجرِهِمْ ظَمْأَى ولم يصلُوا معي،

حُلْمي القصيُّ معي،

وحُلْمُ أَبي وأُمي والذين وَرِثتُ بَسمتَهُمْ

أَمامَ مواجعِ الدنيا معي

أَنا معي

اثنانِ في المعنى وفي المرآةِ حِينَ نُفِيقُ

من حُلْمينِ مَسلوبينِ نُصبِحُ

واحداً مُتشظياً في نَفْسِهِ،

اثنانِ يجمعُنا انحيازٌ غامضٌ

لِقِيامَةِ الشبهِ القريبِ وضِدِّهِ،

كُنَا التقينا في تَباريحِ الموشحِ صَامتينِ

وشَاردينِ وحَالمين،

رَاحَ الكمانُ يحرِّرُ الذِكرى من الماضي

ويَرْفو رُقعةَ الحزنِ التي اتسعتْ على أحداقِنا،

لكنَّ ثَمَّةَ ما يُحرِّضُ نايَ رَغْبتِنَا

لأَنْ نحيا معاً ، ونكونَ أَكثرَ للحقيقةِ

مِن مُحَالٍ شاردٍ بينَ الجفون